مانقص مال من صدقة
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مانقص مال من صدقة
أمّا بعد: فأوصيكم ونفسِي بتقوى الله، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:107].
إخوةَ الإسلام، فِي هذهِ الحياة الدّنيا متاعبُ وأعباء وفقرٌ أحداثٌ جسام، والإنسان لا غنى له عن أخيه؛ يشدّ عضدَه، ويقوِّي عزمتَه، ويخفِّف شِدّته، ويفرِّج كربَه، طمعًا في الأجر وطلبًا للفضَل، وبهذا يقوم المجتمعُ على أسُسٍ قويّة وقواعدَ متينة في نظامٍ من التّكافل والتّعاون. ومِن أبرزِ صوَر التّكافلِ صدقةُ التطوّع التي هي دليلُ صدقِ الإيمان، قال : ((والصّدقة بُرهان)) أخرجه مسلم[1].
إنّها رقّة القلب والرّحمة الفيّاضة التي تدفع المسلمَ لإسداء المعروفِ وإغاثةِ الملهوف ومعاونة المحتاج والبرِّ بالفقراء والمساكين والعطفِ على الأراملِ ومسحِ دموعِ اليتامى والإحسانِ إليهم وإدخالِ السرور على نفوسهم، قال تعالى: إِنَّ ٱلْمُصَّدّقِينَ وَٱلْمُصَّدّقَـٰتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَـٰعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:18]. أيّ حافزٍ للصدقة أوقع وأعمقُ من شعورِ المعطي بأنّه يقرِض الغنيَّ الحميدَ، وأنّه يتعامل مع مالك الملك، وأنّ ما ينفِقه مخلَفٌ عليه مضاعفًا، وله بعدَ ذلك كلِّه أجرٌ كريم؟! قال تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ [سبأ:39]، قال المفسّرون: يخلَف عليكم في الدّنيا بالبَدَل وفي الآخرةِ بالجزاء الثواب، وقال رسول الله : ((ما مِن يومٍ يصبح العبادُ فيه إلا ملكان ينزِلان، فيقول أحدهما: اللهمّ أعطِ منفِقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهمّ أعطِ مُمسكًا تلفًا)) أخرجه البخاري ومسلم[2].
الصدقةُ ـ عبادَ الله ـ سبب لحبِّ الربّ كما جاء في الحديث القدسي: ((وما يزال عبدِي تقرَّب إلي بالنّوافل حتّى أحبَّه)) أخرجه البخاري[3]. هي كفّارة للذّنوب والخطايا كما جاء في حديثِ حذيفةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((فتنةُ الرّجل في أهله وولدِه وجارِه تكفّرها الصّلاة والصّدقة والمعروف)) أخرجه البخاري[4]. إذا حشِر الناس يوم القيامة واشتدَّ الكرب ودنَت الشّمس من رؤوس الخلائق فإنّ المتصدّقين يتفيّؤونَ في ظلِّ العرش، وتسترُهم صدقاتُهم من لفحِ جهنّم كما ثبت في الحديث: ((سبعةٌ يظلّهم الله في ظلّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلّه))، وذكر منهم: ((ورجلٌ تصدّق بصدقةٍ فأخفاها، حتّى لا تعلمَ شماله ما تنفق يمينه))[5].
مِن فضل الصّدقة أنّها تربَّى لصاحبها حتى تكونَ كالجبل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من تصدَّق بعدل تمرةٍ من كسبٍ طيّب، ولا يقبَل الله إلا الطيّب، وإنّ اللهَ يتقبّلها بيمينِه، ثمّ يربّيها لصاحبِها، كما يربّي أحدُكم فَلوَّه حتّى تكونَ مثلَ الجبل))[6]. مِن فضلِها أنّها تطفِئ الخطيئةَ وغضَب الربّ كما جاء في حديثِ معاذ الطويل: ((ألا أدلّك على أبوابِ الخيرِ؟! الصومُ جنّة، والصدقة تطفِئ الخطيئةَ كما يطفِئ الماء النّار)) أخرجه الترمذي وابن ماجه[7]، وفي الحديثِ: ((صدقةُ السّرّ تطفئ غضبَ الربّ)) أخرجه الطبرانيّ من حديث أبي أمامة[8]. الصدقةُ تقِي صاحبَها عن النار، فعن عديّ بن حاتم قال: سمعت رسول الله يقول: ((اتّق النارَ ولو بشقِّ تمرة))[9]. الصدقة تطهِّر النفوسَ وتزكّيها، قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]. في الصّدقة إدخالُ السرورِ على المساكين، وأفضلُ الأعمال إدخالُ السّرور على قلوبهم، قال : ((أفضل الأعمالِ أن تدخِلَ السرورَ على أخيك المؤمن، أو تقضيَ عنه دينًا، أو تطعِمه خبزًا)) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة[10].
في الصدقةِ إرضاءُ الله تعالى، النجاةُ من الهَلكة، تمام الإحسان، قال تعالى: وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]. الصدقةُ تغيظ الشّيطان وتوجِب الغُفران، قال تعالى: ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَاء وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268]. ومن آثارها العجيبةِ في الدّنيا ما روِي عن رسول الله أنّه قال: ((بينا رجل في فلاةٍ من الأرض، فسمِع صوتًا في سحابةٍ: اسقِ حديقةَ فلان، فتنحّى ذلك السحاب، فأفرغَ ماءه في حرَّة، فإذا شرجةٌ من تلك الشِّراج قد استوعَبَت ذلك الماءَ كلَّه، فتتبّع الماءَ، فإذا رجلٌ قائِم في حديقتِه، يحوّل الماءَ بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان، بالاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إنّي سمعت صوتًا في السّحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقةَ فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلتَ هذا فإنّي أنظُر إلى ما يخرُج منها، فأتصدّق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثَه، وأردّ فيها ثلثَه)) أخرجه مسلم[11].
الصدقةُ تخلِّص المسلمَ من الشّحّ، إذ ليسَ في المروءَة من شيءٍ أن يرى الغنيّ أخاه الفقير يتضوّر جوعًا وتفتِك به الحاجة، ثمّ لا تتحرّك مشاعرُه ولا تهتزّ عواطفه لتخفيف ضائقةِ إخوانِه، ومِن أخلاقِ النبيّ الجودُ والكرم، بل كان يعطِي عطاءَ لا يخشى الفقر، ويقول : ((أنفِق ينفِق الله عليك))[12]. الصدقة لا تنقص المالَ، بل تكون سببًا لزيادتِه ونمائِه وبركتِه، يرزق الله المتصدّقَ ويجبره وينصره، في حديث: ((ما نَقصت صدقةٌ من مال، وما زادَ الله عبدًا بعفوٍ إلاّ عِزّا، وما تواضَع أحدٌ لله إلاّ رفعه الله)) أخرجه مسلم[13].
الصدقات سببٌ في بسطِ الرّزق وطول العمر، تدفَع البلاءَ والأمراضَ عن المتصدّق وأهلِ بيته، تمنَع ميتةَ السّوء ومصارعَ السوء، لما روى أنسٌ أنّ رسول الله قال: ((باكِروا بالصّدقة، فإنّ البلاءَ لا يتخطّى الصّدقة)) رواه البيهقي مرفوعًا[14]، وقال : ((داوُوا مرضَاكم بالصّدقة)) أخرجه البيهقي[15]، وعن عمرو بنِ عوفٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنّ صدقةَ المسلم تزيد في العمُر، وتمنَع ميتةَ السوء، ويذهِب الله بها الكبرَ والفقر)) رواه الطبرانيّ[16]، وقال : ((صنائعُ المعروف تقِي مصارعَ السوء والآفاتِ والهَلَكات)) أخرجه الحاكم عن أنس رضي الله عنه[17].
بالصّدقة يعين الله المتصدّقَ على الطاعة، يهيّئ له طرقَ السّداد والرشاد، يذلِّل له سبلَ السعادة، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ [الليل:5-7].
إخوةَ الإسلام، إنّ في بذلِ الصّدقات وإيجادِ المشاريع الخيريّة علاجًا لمشكلةِ الفقر التي وضع الإسلام لها حلولاً، وجعَل البرَّ والإحسان من بين تلك الحلول، والصدقة علاجُ حسَد الفقراءِ للأغنياء، تحمِي المجتمع من جرائم السّطوِ والانتقام، وقد حذّر النبيّ أمّتَه من خطورةِ سلوكِ الفقير حيث قال: ((إنّ الرجلَ إذا غرِم حدّث فكذَب ووَعد فأخلف)) رواه البخاريّ ومسلم[18].
وإذا كنّا نطمَع في هذا الفضل فعلينا أن نلتزمَ آدابَ الصّدقة التي من أجلِّها أن تكونَ من كسبٍ طيّب ومالٍ حلال، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267]. لا تُقبل الصدقة إذا كانت من حرام لحديث النبيّ : ((من اكتسَب مالاً من مأثم فوصَل به رحمَه أو تصدّق به أو أنفقَه في سبيل الله جُمع ذلك كلّه، فقذِف به في جهنّم)) رواه أبو داود[19]. ومن آدابِها أن تكونَ خالصةً لوجهِ الله تعالى، لا يشوبها رياءٌ ولا سمعة، وأن يوجّه نيّتَه في الصّدقة إلى الله، قال رسول الله : ((إنّما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى))[20]. أن لا يستكثرَ بصدقته لقوله تعالى: وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ [المدثر:6]، وهنا إظهارُ جلالُ الإسلام وجماله الذي ينهَى عن المنّ الثقيلِ والرّياء الذّميم، قال تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، ولو أنّ المحسِنين يعلمون ما يقاسِيه الفقراء عند السّؤال من عنتٍ وذلٍّ ولوعةٍ وحسرة ما قلّبوهم على جمراتِ المنِّ ولا جرّعوهم غضاضةَ الفقر ومرارةَ الرياء. ما أكثرَ الكرماءَ والمحسِنين، ولكن ينبغي أن لا نستذلَّ بأموالنا الرّجال ونستعبِد النّفوس. فالعاقل يسابِق في ميدانِ الخيراتِ بالصّلة والبرّ والإحسان، ينفق على الفقراء الذين عضّهم البؤس، يحسَبهم أغنياءَ من التعفّف، وهم يقاسون ألمَ الجوعِ والفَقر والشدّة والعُسر، ليس هم أولئك الذين اتّخذوا من التسوّلَ مِهنةً ومن الشحاتةِ حِرفة حتّى غدَا بعضُهم من الموسِرين الأغنياء، وفي صحيحِ البخاريّ أنّ رسولَ الله قال: ((ليسَ المسكينُ الذي يطوف على النّاس، تردّه اللّقمة واللّقمتان والتّمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجِد غنًى يغنيه، ولا يفطَن به فيتصدَّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس)) أخرجه البخاري[21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
--------------------------------------------------------------------------------
[img][/img]
إخوةَ الإسلام، فِي هذهِ الحياة الدّنيا متاعبُ وأعباء وفقرٌ أحداثٌ جسام، والإنسان لا غنى له عن أخيه؛ يشدّ عضدَه، ويقوِّي عزمتَه، ويخفِّف شِدّته، ويفرِّج كربَه، طمعًا في الأجر وطلبًا للفضَل، وبهذا يقوم المجتمعُ على أسُسٍ قويّة وقواعدَ متينة في نظامٍ من التّكافل والتّعاون. ومِن أبرزِ صوَر التّكافلِ صدقةُ التطوّع التي هي دليلُ صدقِ الإيمان، قال : ((والصّدقة بُرهان)) أخرجه مسلم[1].
إنّها رقّة القلب والرّحمة الفيّاضة التي تدفع المسلمَ لإسداء المعروفِ وإغاثةِ الملهوف ومعاونة المحتاج والبرِّ بالفقراء والمساكين والعطفِ على الأراملِ ومسحِ دموعِ اليتامى والإحسانِ إليهم وإدخالِ السرور على نفوسهم، قال تعالى: إِنَّ ٱلْمُصَّدّقِينَ وَٱلْمُصَّدّقَـٰتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَـٰعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:18]. أيّ حافزٍ للصدقة أوقع وأعمقُ من شعورِ المعطي بأنّه يقرِض الغنيَّ الحميدَ، وأنّه يتعامل مع مالك الملك، وأنّ ما ينفِقه مخلَفٌ عليه مضاعفًا، وله بعدَ ذلك كلِّه أجرٌ كريم؟! قال تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ [سبأ:39]، قال المفسّرون: يخلَف عليكم في الدّنيا بالبَدَل وفي الآخرةِ بالجزاء الثواب، وقال رسول الله : ((ما مِن يومٍ يصبح العبادُ فيه إلا ملكان ينزِلان، فيقول أحدهما: اللهمّ أعطِ منفِقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهمّ أعطِ مُمسكًا تلفًا)) أخرجه البخاري ومسلم[2].
الصدقةُ ـ عبادَ الله ـ سبب لحبِّ الربّ كما جاء في الحديث القدسي: ((وما يزال عبدِي تقرَّب إلي بالنّوافل حتّى أحبَّه)) أخرجه البخاري[3]. هي كفّارة للذّنوب والخطايا كما جاء في حديثِ حذيفةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((فتنةُ الرّجل في أهله وولدِه وجارِه تكفّرها الصّلاة والصّدقة والمعروف)) أخرجه البخاري[4]. إذا حشِر الناس يوم القيامة واشتدَّ الكرب ودنَت الشّمس من رؤوس الخلائق فإنّ المتصدّقين يتفيّؤونَ في ظلِّ العرش، وتسترُهم صدقاتُهم من لفحِ جهنّم كما ثبت في الحديث: ((سبعةٌ يظلّهم الله في ظلّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلّه))، وذكر منهم: ((ورجلٌ تصدّق بصدقةٍ فأخفاها، حتّى لا تعلمَ شماله ما تنفق يمينه))[5].
مِن فضل الصّدقة أنّها تربَّى لصاحبها حتى تكونَ كالجبل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من تصدَّق بعدل تمرةٍ من كسبٍ طيّب، ولا يقبَل الله إلا الطيّب، وإنّ اللهَ يتقبّلها بيمينِه، ثمّ يربّيها لصاحبِها، كما يربّي أحدُكم فَلوَّه حتّى تكونَ مثلَ الجبل))[6]. مِن فضلِها أنّها تطفِئ الخطيئةَ وغضَب الربّ كما جاء في حديثِ معاذ الطويل: ((ألا أدلّك على أبوابِ الخيرِ؟! الصومُ جنّة، والصدقة تطفِئ الخطيئةَ كما يطفِئ الماء النّار)) أخرجه الترمذي وابن ماجه[7]، وفي الحديثِ: ((صدقةُ السّرّ تطفئ غضبَ الربّ)) أخرجه الطبرانيّ من حديث أبي أمامة[8]. الصدقةُ تقِي صاحبَها عن النار، فعن عديّ بن حاتم قال: سمعت رسول الله يقول: ((اتّق النارَ ولو بشقِّ تمرة))[9]. الصدقة تطهِّر النفوسَ وتزكّيها، قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]. في الصّدقة إدخالُ السرورِ على المساكين، وأفضلُ الأعمال إدخالُ السّرور على قلوبهم، قال : ((أفضل الأعمالِ أن تدخِلَ السرورَ على أخيك المؤمن، أو تقضيَ عنه دينًا، أو تطعِمه خبزًا)) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة[10].
في الصدقةِ إرضاءُ الله تعالى، النجاةُ من الهَلكة، تمام الإحسان، قال تعالى: وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]. الصدقةُ تغيظ الشّيطان وتوجِب الغُفران، قال تعالى: ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَاء وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268]. ومن آثارها العجيبةِ في الدّنيا ما روِي عن رسول الله أنّه قال: ((بينا رجل في فلاةٍ من الأرض، فسمِع صوتًا في سحابةٍ: اسقِ حديقةَ فلان، فتنحّى ذلك السحاب، فأفرغَ ماءه في حرَّة، فإذا شرجةٌ من تلك الشِّراج قد استوعَبَت ذلك الماءَ كلَّه، فتتبّع الماءَ، فإذا رجلٌ قائِم في حديقتِه، يحوّل الماءَ بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان، بالاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إنّي سمعت صوتًا في السّحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقةَ فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلتَ هذا فإنّي أنظُر إلى ما يخرُج منها، فأتصدّق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثَه، وأردّ فيها ثلثَه)) أخرجه مسلم[11].
الصدقةُ تخلِّص المسلمَ من الشّحّ، إذ ليسَ في المروءَة من شيءٍ أن يرى الغنيّ أخاه الفقير يتضوّر جوعًا وتفتِك به الحاجة، ثمّ لا تتحرّك مشاعرُه ولا تهتزّ عواطفه لتخفيف ضائقةِ إخوانِه، ومِن أخلاقِ النبيّ الجودُ والكرم، بل كان يعطِي عطاءَ لا يخشى الفقر، ويقول : ((أنفِق ينفِق الله عليك))[12]. الصدقة لا تنقص المالَ، بل تكون سببًا لزيادتِه ونمائِه وبركتِه، يرزق الله المتصدّقَ ويجبره وينصره، في حديث: ((ما نَقصت صدقةٌ من مال، وما زادَ الله عبدًا بعفوٍ إلاّ عِزّا، وما تواضَع أحدٌ لله إلاّ رفعه الله)) أخرجه مسلم[13].
الصدقات سببٌ في بسطِ الرّزق وطول العمر، تدفَع البلاءَ والأمراضَ عن المتصدّق وأهلِ بيته، تمنَع ميتةَ السّوء ومصارعَ السوء، لما روى أنسٌ أنّ رسول الله قال: ((باكِروا بالصّدقة، فإنّ البلاءَ لا يتخطّى الصّدقة)) رواه البيهقي مرفوعًا[14]، وقال : ((داوُوا مرضَاكم بالصّدقة)) أخرجه البيهقي[15]، وعن عمرو بنِ عوفٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنّ صدقةَ المسلم تزيد في العمُر، وتمنَع ميتةَ السوء، ويذهِب الله بها الكبرَ والفقر)) رواه الطبرانيّ[16]، وقال : ((صنائعُ المعروف تقِي مصارعَ السوء والآفاتِ والهَلَكات)) أخرجه الحاكم عن أنس رضي الله عنه[17].
بالصّدقة يعين الله المتصدّقَ على الطاعة، يهيّئ له طرقَ السّداد والرشاد، يذلِّل له سبلَ السعادة، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ [الليل:5-7].
إخوةَ الإسلام، إنّ في بذلِ الصّدقات وإيجادِ المشاريع الخيريّة علاجًا لمشكلةِ الفقر التي وضع الإسلام لها حلولاً، وجعَل البرَّ والإحسان من بين تلك الحلول، والصدقة علاجُ حسَد الفقراءِ للأغنياء، تحمِي المجتمع من جرائم السّطوِ والانتقام، وقد حذّر النبيّ أمّتَه من خطورةِ سلوكِ الفقير حيث قال: ((إنّ الرجلَ إذا غرِم حدّث فكذَب ووَعد فأخلف)) رواه البخاريّ ومسلم[18].
وإذا كنّا نطمَع في هذا الفضل فعلينا أن نلتزمَ آدابَ الصّدقة التي من أجلِّها أن تكونَ من كسبٍ طيّب ومالٍ حلال، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267]. لا تُقبل الصدقة إذا كانت من حرام لحديث النبيّ : ((من اكتسَب مالاً من مأثم فوصَل به رحمَه أو تصدّق به أو أنفقَه في سبيل الله جُمع ذلك كلّه، فقذِف به في جهنّم)) رواه أبو داود[19]. ومن آدابِها أن تكونَ خالصةً لوجهِ الله تعالى، لا يشوبها رياءٌ ولا سمعة، وأن يوجّه نيّتَه في الصّدقة إلى الله، قال رسول الله : ((إنّما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى))[20]. أن لا يستكثرَ بصدقته لقوله تعالى: وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ [المدثر:6]، وهنا إظهارُ جلالُ الإسلام وجماله الذي ينهَى عن المنّ الثقيلِ والرّياء الذّميم، قال تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، ولو أنّ المحسِنين يعلمون ما يقاسِيه الفقراء عند السّؤال من عنتٍ وذلٍّ ولوعةٍ وحسرة ما قلّبوهم على جمراتِ المنِّ ولا جرّعوهم غضاضةَ الفقر ومرارةَ الرياء. ما أكثرَ الكرماءَ والمحسِنين، ولكن ينبغي أن لا نستذلَّ بأموالنا الرّجال ونستعبِد النّفوس. فالعاقل يسابِق في ميدانِ الخيراتِ بالصّلة والبرّ والإحسان، ينفق على الفقراء الذين عضّهم البؤس، يحسَبهم أغنياءَ من التعفّف، وهم يقاسون ألمَ الجوعِ والفَقر والشدّة والعُسر، ليس هم أولئك الذين اتّخذوا من التسوّلَ مِهنةً ومن الشحاتةِ حِرفة حتّى غدَا بعضُهم من الموسِرين الأغنياء، وفي صحيحِ البخاريّ أنّ رسولَ الله قال: ((ليسَ المسكينُ الذي يطوف على النّاس، تردّه اللّقمة واللّقمتان والتّمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجِد غنًى يغنيه، ولا يفطَن به فيتصدَّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس)) أخرجه البخاري[21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
--------------------------------------------------------------------------------
[img][/img]
عدل سابقا من قبل مشاري في الجمعة أكتوبر 31, 2008 1:56 pm عدل 2 مرات (السبب : خطأ)
مشاري- المساهمات : 4
تاريخ التسجيل : 23/10/2008
رد: مانقص مال من صدقة
مشكور على الموضوع الرائع وبالفعل الصدقة ما تنقص من أموال المسلمين
The Slayer- المساهمات : 74
تاريخ التسجيل : 23/10/2008
العمر : 30
رد: مانقص مال من صدقة
مشكور اخوي مشاري عالموضوع
بنت السعودية- قلب المنتدى النبض
- المساهمات : 71
تاريخ التسجيل : 06/11/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى